فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
التفسير:
لما ختم السورة المتقدمة بالوعيد والوعد أتبعه بذكر وقت الجزاء وعدد من إماراته الزلزلة الشديدة التي تستأهلها الأرض وهي معنى إضافة الزلزال إلى ضمير الأرض.
قال أهل المعاني: هو كقولك: (أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته) يريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة. وقريب منه قول من قال: أراد بزلزالها كل الزلزال وجميع ما هو ممكن منه أي يوجد الزلزلة كل ما يحتمل المحل.
وقيل: زلزالها الموعود والمكتوب عليها لما أنها قدرت تقدير الحي. يروى أنها تتزلزل من شدة صوت إسرافيل عليه السلام. ومن امارات الساعة إخراج الأرض أثقالها أي ما في جوفها من الدفائن والأموات قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها وإذا كان فوقها فو ثقل عليها وسمي الإنس والجن بالثقلين لذلك. يروى أنها تخرج كنوزها فيملأ ظهر الأرض ذهبًا ولا أحد يلتفت إليه، وكأن الذهب بصيح ويقول: أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي؟ ويمكن أن تكون الفائدة في إخراجها أن يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها الجباه والجنوب والظهور قالوا: إناه عند النفخة الأول تتزلزل فتلفظ بالكنوز والدفائن، وعند النفخة الثانية ترجف فتخرج الأموات أحياء كالأم تلد حيًا.
وقيل: تلفظهم أمواتًا ثم يحييهم الله تعالى.
وقيل: أثقالها أسرارها فيومئذ تكشف الأسرار ولذلك قال: {يومئذ تحدث أخبارها} أي تشهد لك وعليك {وقال الإنسان ما لها} تعجبًا من حالها.
وقيل: والكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث فيقول: {من بعثنا من مرقِدنا} [يس: 52] وأما المؤمن فيقول: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52] والباء في قوله: {بأن ربك} إما أن تتعلق بـ: {تحدث} والإيحاء بمعنى الأمر أي تحدث بسبب أن ربك أمرها بالتحديث ومفعول {تحدث} محذوف أي تحدث الناس، أو متروك لأن المقصود تحديثها لا من تحدثه.
وقيل: تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول (نصحتني كل النصيحة بأن نصحتني في الدين).
وقيل: بدل من {أخبارها} لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا. وأوحى لها بمعنى أوحى إليها وهو مجاز عند صاحب الكشاف. وأبي مسلم كأنها بلسان الحال تبين لكل أحد جزاء عمله، أو تحدث أن الدنيا قد انقضت والآخرة قد أقبلت.
والجمهور على أنه تعالى يجعل الأرض ذات فهم ونطق ويعرفها جميع ما عمل عليها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصى. وكان علي رضي الله عنه إذا فرغ بيت المال صلى فيه ركعتين ويقول: إشهدي أني ملأتك بحق وفرغتك بحق.
وقيل: لفظ التحديث يفيد الاستئناس، فعل الأرض تبث شكواها إلى أولياء الله وملائكته، وقالت المعتزلة: إن الله تعالى يخلق في الأرض وهي جماد أصواتًا مقطعة مخصوصة فيكون المتكلم والشاهد على أن التقدير هو الله. قوله: {يصدر} الصدر ضد الورود فالوارد الجائي والصادر المنصرف، {أشتاتًا} أي متفرقين جمع شت أو شتيت أي يذهبون من مخارج قبورهم إلى الموقف. فبعضهم إثر بعض راكبين مع الثياب الحسنة وبياض الوجه وينادي مناد بين يديه هذا ولي الله، وبعضهم مشاة عراة حفاة سود الوجوه مقيدين بالسلاسل والأغلال والمنادي ينادي هذا عدو الله.
وقيل: أشتاتًا أي كل فريق مع شكله اليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني وقيل: من كل قطر من أقطار الأرض ليروا صحائف أعمالهم أو جزاء أعمالهم وهو الجنة أو النار وما يناسب كلًا منهما. والذرة أصغر النمل أو هي الهباءة، وعن ابن عباس إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذرة، فليس من عبد عمل خيرًا أو شرًا، قليلًا كان أو كثيرًا إلا أراه الله تعالى إياه.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل {ويطعمون الطعام على حبه}
[الدهر: 8] كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ويقول: ما هذا بشيء وإنما يؤجر على ما نعطي وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير ويقول: لا شيء على من هذا فرغب الله تعالى في القليل من الخير لأنه يوشك أن يكثر، وحذر من الذنب اليسير فإنه يوشك أن يعظم، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» والتحقيق أن المقصود النية فإن كان العمل قليلًا والنية خالصة حصل المطلوب، وإن كان العمل كثيرًا والنية فاسدة فالمقصود فائت، ولهذا قال كعب الأحبار: لا تحقروا شيئًا من المعروف فإن رجلًا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة.
وعن عائشة أنه كان بين يديها عنب قدمته إلى نسوة بحضرتها فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك، فضحك بعض من كان عندها فقالت: إن فيما ترون مثاقيل وتلت هذه الآية.
قال جار الله: إن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن مكفرة باجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء لمثاقيل الذر من الخير والشر؟ وأجاب على مذهبه بأن المعنى فمن يعمل من فريق السعداء مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل من فريق الأشقياء مثقال ذرة شرًا.
يره. وذلك أن الحكم جاء بعد قوله: {يصدر الناس أشتاتًا} والأولى في جوابه ما روي عن ابن عباس: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًا إلا أراه الله تعالى إياه. فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثاب بحسناته وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته. وقل: إن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفرة لكن الموازنة معتبرة فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره، وكذا القول في الجانب الآخر.
وعن محمد بن كعب القرظي: معناه فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن فإنه يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة..
فإن قيل: إن كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم؟
قلت: هذا هو الكرم لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف والكريم لا يحتمله، والطاعة تعظيم وإن قلت فالكريم لا يضيعه.
قال أهل العرفان: كأنه تعالى يقول: ابن آدم أنك مع ضعفك وعجزك لم تضيع ذرة من مخلوقاتي بل نظرت فيها واعتبرت بها واستدللت بوجودها على وجود الصانع، فأنا مع كمال قدرتي وكرمي كيف أضيع ذرتك والله الكريم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الزلزلة:
مدنية في قول ابن عباس وقتادة ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر.
وهي ثمان آيات.
وخمس وثلاثون كلمة.
ومائة وتسع وأربعون حرفًا.
{بسم الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {الرحمن} الذي عمّ الخلق بنعمته الظاهرة قسمًا {الرحيم} الذي أتم النعمة على خواصه حقيقة عينًا واسمًا.
ولما قال تعالى: للمؤمنين {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن} كأنَّ المكلف قال: متى يكون ذلك فقيل: له:
{إذا زلزلت الأرض} أي: تحرّكت واضطربت لقيام الساعة، فالعاملون كلهم يكونون في الخوف وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمنًا لقوله تعالى: {وهم من فزع يومئذ آمنون} (النمل).
{زلزالها} أي: تحريكها الشديد المناسب لعظم جرم الأرض وعظمة ذلك كما تقول: أكرم التقي إكرامه، وأهن الفاسق إهانته تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة.
ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال تعالى: {وأخرجت الأرض} أي: كلها، ولم يضمر تحقيقًا للعموم {أثقالها} أي: مما هو مدفون فيها من الكنوز والأموات.
قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
وقال ابن عباس ومجاهد: أثقالها أمواتها تخرجهم في النفخة الثانية، ومنه قيل للجنّ والإنس: الثقلان.
وقيل: أثقالها كنوزها، ومنه الحديث: «تنفى الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا»، فيعطيها الله تعالى قوّة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوّة أن تخرج النبات الصغير اللطيف الطريّ الذي هو أنعم من الحرير، فتشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاويل شق النواة مع ما لها من الصلابة التي استعصت بها على الحديد، فتنفلق نصفين وينبت منها سائر ما يريده سبحانه وتعالى فالذي قدر على ذلك قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض، وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن، ويشق جميع منافذه من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل هناك بيكار ولا منشار، ثم يخرج من البطن. هكذا إخراج الموتى من غير فرق كل ذلك عليه هين سبحانه. ما أعظم شأنه وأعز سلطانه.
{وقال الإنسان} أي: هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما أكده عنده من أمر البعث لما له من الإنس بنفسه، والنظر في عطفه على سبيل التعجب أو الدهش والحيرة أو الكافر كما يقول: {من بعثنا من مرقدنا} (يس)
فيقول له المؤمن: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} (يس).
{ما لها} أي: أيّ شيء ثبت للأرض في هذه الزلزلة الشديدة التي لم يعهد مثلها ولفظت ما في بطنها.
{يومئذ} أي: إذ كان ما ذكر من الزلزال وما لزم عنه وقوله تعالى: {تحدّث أخبارها} جواب إذا وهو الناصب لها عند الجمهور، ومعنى تحدّث، أي: تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ يومئذ، ثم قيل: هو من قول الله تعالى، وقيل: من قول الإنسان، أي: يقول الإنسان ما لها تحدّث أخبارها متعجبًا. روى الترمذي عن أبي هريرة أنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدّث أخبارها} قال: أتدرون ما أخبارها قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا وكذا كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها»
.
في تحديثها بأخبارها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ الله تعالى يقلبها حيوانًا ناطقًا فتتكلم بذلك.
ثانيها: أنّ الله تعالى يحدث فيها الكلام.
ثالثها: أن يكون فيها بيان يقوم مقام الكلام. قيل: في الآية تقديم وتأخير تقديره يومئذ تحدث أخبارها فيقول الإنسان مالها أي: تخبر الأرض بما عمل عليها.
{بأن ربك} متعلق بتحدِّث، ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها والباء سببية، أي: تحدّث بسبب أن ربك المحسن إليك بأنواع النعم {أوحى لها} أي: أذن لها أن تتكلم بذلك المذكور بالقال أو بالحال على ما مرّ.
قال البقاعي: وعدل عن قوله إليها إلى قول الله تعالى: {لها} إيذانًا بالإسراع في الإيحاء.
وقال البغوي: أوحى إليها واحد.
وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة.
وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح.
وقوله تعالى: {يومئذ} بدل من يومئذ قبله منصوب بقوله تعالى: {يصدر} أو بأذكر مقدّرًا، أي: واذكر يوم إذ كان ما تقدّم وهو حين يقوم الناس من القبور يصدر {الناس} أي: يرجعون من قبورهم إلى ربهم الذي كان لهم بالمرصاد ليفصل بينهم.
وقرأ حمزة والكسائي بإشمام الصاد بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة {أشتاتًا} أي: متفرّقين بحسب مراتبهم في الذوات والأحوال من مؤمن وكافر، وآمن وخائف، ومطيع وعاص.
وعن ابن عباس: متفرّقين على قدر أعمالهم أهل الإيمان على حدة، أو متفرّقين فأخذ ذات اليمين على الجنة، وأخذ ذات الشمال إلى النار {ليروا} أي: يرى الله تعالى المحسن منهم والمسيء بواسطة من شاء من جنوده، أو بغير واسطة حين يكلم سبحانه كل أحد من غير ترجمان ولا واسطة كما أخبر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم {أعمالهم} فيعلموا جزاءها، أو صادرين عن الموقف كل إلى داره ليرى جزاء عمله، ثم سبب عن ذلك قوله تعالى مفصلًا الجملة التي قبله: {فمن يعمل} من محسن أو مسيء، مسلم أو كافر {مثقال ذرّة خيرًا} أي: من جهة الخير {يره} أي: يرى ثوابه حاضرًا لا يغيب عنه شيء منه، لأنّ المحاسب له الإحاطة علمًا وقدرة.
{ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره} فالمؤمن يراه ليشتدّ سروره به، والكافر يوقف على عمله أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان، أو على أنه جوزي في الدنيا فهو صورة بلا معنى ليشتدّ ندمه وتبقى حسرته.
وعن ابن عباس: من يعمل من الكفار خيرًا يره في الدنيا ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر من المؤمنين يره في الدنيا ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا تاب ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يقبل منه ويضاعف في الآخرة.
وفي بعض الأحاديث: إنّ الذرّة لا زنة لها، وهذا مثل ضربه الله تعالى ليبين أنه لا يغفل عن عمل ابن آدم صغيرًا ولا كبيرًا، وهو كقوله تعالى: {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة} (النساء). وذكر بعض أهل اللغة أنّ الذرأن يضرب الرجل يده على الأرض فما علق من التراب فهو الذر.
وعن ابن عباس: إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها فكل واحدة مما لزق من التراب ذرّة، وفسرها بعضهم بالنملة الصغيرة، وبعضهم بالهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة.
وقال محمد كعب القرظي: فمن يعمل مثقال ذرّة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله تعالى خير ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ، من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله تعالى شررّ ودليله ما روى أنس «أن هذه الآية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل فأمسك وقال: يا رسول الله وإنا لنرى ما عملنا من خير وشرّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ويدّخر لكم مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة».
وقال أبو إدريس: إنّ مصداقه من كتاب الله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (الشورى).
وقال مقاتل: نزلت في رجلين أحدهما كان يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة، ويقول: إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر فنزلت هذه الآية لترغبهم في القليل من الخير يعطوه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» وتحذرهم من اليسير من الذنب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: «إياك ومحقرأت الذنوب فإنّ لها من الله تعالى طالبًا» وقال ابن مسعود: هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق. وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية.
وقال كعب الأحبار: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرًا يره}. وكان صلى الله عليه وسلم يسمي هذه الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال: «ما نزل على فيها شيء غير هذه الآية الجامعة الفاذة»: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرًا يره}.
وروى مالك في الموطأ أنّ مسكينًا استطعم عائشة رضي الله عنها وبين يديها عنب، فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويتعجب فقالت: أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرّة، وكذا تصدّق عمر رضي الله عنه، وإنما فعلا ذلك لتعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة.
قال الربيع بن خيثم مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه الآية فلما بلغ آخرها قال: حسبي قد انتهت الموعظة.
تنبيه:
قوله تعالى: {يره} جواب الشرط في الموضعين.
وقرأ هشام بسكون هاء يره وصلًا في الحرفين، والباقون بضمها وصلًا وساكنة وقفًا كسائر هاء الكناية. وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إذا زلزلت أربع مرّات كان كمن قرأ القرآن كله»، رواه الثعلبي بسند ضعيف لكن يشهد له ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعًا: «إذا زلزلت تعدل ربع القرآن». اهـ.